رواية أنا لها شمس 01 من الفصل السادس
الجزء الاول من الفصل السادس
«لم تكن صدفة حين ألتقت أعيُننا وتهامست، تلك الشرارات التي إنبعثت لتخبر كلاناأنه قد أن الأوان لقلوبنا العذراءُ بأن تكتملا،حينها انتفضت قلوبنا وثارت علينا
لنكتشف سويًا انه العشق العظيم الذي إنتظرناهُ ليُنير دربنا المليءُ بالخيباتِ
أو هكذا اعتقدنا.»
روز أمين
أعاد الضغط على أرقام هاتف منزلها وأنتظر الرد فانتهى الإتصال مرةً أخرى وقام بتكرار المحاولة عدة مرات دون أن يسأم، زفرت بقوة من ذاك المصمم على الإتصال، وقفت وتمسكت بالهاتف لتتحرك به إلى غرفة شقيقها الصغير، ولجت بعد الاستئذان لتقول وهي تضع الهاتف بين يديه:
-فيه واحد بارد بيعاكس،خد ظبطه وأنا هروح أكمل مذاكرتي
-ده مين اللي ليلة أمه مش فايتة ده؟...جملة نطقها أيهم لتمط شفتيها مع رفعها لكتفيها بلامبالاة وتحركت صوب الباب لتختفي خلفه تاركة رنين الهاتف يصدح مرةً أخرى،رفع السماعة وبدون سابق هتف ليمطرهُ بوَابلٍ مِن الشَّتَائم لـتجحظ عينى الأخر وبسرعة البرق أعاد سماعة الهاتف لمكانها ليُنهى الإتصال ثم نظر أمامه ليعقد حاجبيه بضيق وهو يحك ذقنه بأصابع يده قائلاً:
-يا بنت الـ....،تنفس بهدوء وما زادهُ تصرفها سوى إصرارًا على الفوز بها،فقد تيقن أنها تختلف عن سابقاتها من الفتيات ليقرر تبديل خطته ليظفر بها،زفر بقوة حين تذكر صورتها وهي تتمايل بخسرها بكبرياءٍ زادها جمالاً وسحرًا فوق سحرها،عصر اليوم التالي،كان يقف أمام مرأته الخاصة بغرفته يتطلع لهيأته بخيلاء بعدما ارتدى أفضل ما لديه من ثياب، بنطال من الجينز الأزرق يعتليه قميصًا ناصع البياض وقام بتصفيف شعر رأسهُ بعناية فائقة، بسط يده ليلتقط قنينة العطر الخاصة به،استمع لطرقاتٍ خفيفة فوق الباب،ولجت والدته وتحركت صوبه تتطلع عليه بجبينٍ مقطب لتقول باستغراب:
-لابس ومتشيك ورايح على فين كدة؟
نثر عطره بسخاء مغرقًا به عنقه وذقنه ليقول بصوتٍ حماسي:
-رايح أزور واحد صاحبي
رفعت حاجبها الأيسر لتنظر إليه بشكٍ وهي تقول بتهكم:
-صاحبك مين ده اللي فضيت نص قزازة البرفان على وشك وإنتَ رايح له!
لتخرج إبتسامة متهكمة من جانب فمها مسترسلة:
-اللي ربى خير من اللي اشترى يا ابن إجلال؟!
ابتسم بخفوت ليقول بمراوغة:
-طب اعمل إيه إذا كُنتي مابتصدقنيش في أي حاجة أقولها لك
ناظرته بريبة لتنطق بحدة:
-تقول الحق وتبطل سرمحة وجري ورا البنات الشمال اللي بتعرفهم، وتوافق على جوازك من واحدة من اللي بعرضهم عليك كل إسبوع
لتستطرد بضيق ظهر بَين بعينيها:
-يا ابني ده اللي قدك معاه عيل واتنين
سأم وأصابه الحنق من حديثها المكرر التي لن تمل من سرده عليه بكل مناسبة تأتيها ليزفر الاخر بقوة وهو يقول بتملل:
-يا ماما هو أنتِ مبتزهقيش من الكلام ده،مية مرة قولت لك لما ألاقي البنت اللي تدخل دماغي وتملى مزاجي هاجي بنفسي وأقول لك اخطبيها لي.
-وإنتَ من بين كل بنات الأكابر اللي نقيتهم لك مفيش ولا واحدة دخلت مزاجك يا سي عمرو؟ كلمات نطقتها بسخرية ليقترب منها مقربًا كف يدها من شفتاه ليضع به قُبلة ثم تطلع لعينيها بعدما قرر أن يستجدي عاطفتها مستغلاً عشقها الهائل لذاك القريب من قلبها والتي يتمتع بمكانة لم يصل لها غيره على وجه الأرض بأكملها:
-أنا مش عاوز أي واحدة والسلام،أنا بدور على واحدة تكون إجلال التانية، حاجة كدة ملهاش مثيل.
رفعت قامتها لأعلى لتتحدث باستعلاء وغرور لا مثيل له:
-يبقى مش هتتجوز ولا هتشوفه يا عين إجلال، لأن متخلقتش لسة اللي تشبه ستهم
ابتسم بحنان ليقول:
-طبعاً يا ستهم، هو أنتِ فيه زيك في الدنيا كلها،بقول لك إيه يا ماما
طالعته باستفهام ليسترسل بغمزة من عينيه مستغلاً عاطفتها لها:
-ماتهزي كيسك كدة وتديني خمس ألاف جنية،حاكم إبنك حبيبك على الحديدة
طالعته بشك لتقول بنبرة ساخرة:
-وتقول لي رايح لواحد صاحبي،ما ابقاش إجلال بنت الحاج ناصف إن ما كنت رايح تقابل واحدة من إياهم
زفر بتملل ليقول بمراوغة:
-طب والله واحد صاحبي
باغتته بسؤالها:
-طب مين صاحبك ده، وعايز الفلوس دي كلها ليه؟
-واحد ماتعرفهوش ...نطقها بلامبالاة وهو يهرب بعينيه قبل أن تستشف كذبهما ليسترسل وهو يلتقط أشيائه الخاصه ويضعها بجيبي بنطاله:
-واحد من بلد جنبنا كان معايا في الكلية،اتصل بيا واتفقنا نتقابل على القهوة اللي في أول البلد مع اتنين أصحابنا تانيين
ثم التفت يتطلع لها بعدما عقد النية على أن يلعب على نقطة الغرور وشعورها الدائم بالتميز وبأنها وانجالها بمكانة أعلى وارقى من الجميع:
-وطبعًا مايرضيكِيش حد يصرف على القاعدة وابن الست إجلال على سن ورومح قاعد في المكان زي قلته
أدلى بكلماته وهو متيقن من النتيجة وقد حدث ما توقع فقد رفعت قامتها لأعلى وشعرت بالتفخيم بينما طالعته هى لتقول بتعالي:
-ماتخلقش لسة اللي يخليك تحس بكده،تعالى معايا الأوضة علشان تاخد الفلوس
استدارت في طريقها للخروج من الغرفة ليبتسم بمكرٍ لنجاح خطته التي لم تفشل أبدًا بجني ثمارها من تلك المتعالية لينسحب خلفها تاركًا حجرته،بعد مرور حوالي الساعة،كانت تعيد ترتيب غرفة المعيشة بعدما ذهب والدها وشقيقاها عزيز ووجدي إلى قطعة الأرض الصغيرة المملوكة لوالدها بينما يجلس أيهم بغرفته يستذكر دروسه،أما والدتها فبالطابق الأعلى (السطوح)تُطعم طيورها المتنوعة من الفراخ والأبط والأوز،بينما ذهبتا زوجتي شقيقاها لزيارة عائلتيهما الاسبوعية بيوم الجمعة المسموح لهما من والدة زوجيهما، استمعت لطرقات فوق الباب لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تتوجه إلى الباب مباشرةً لتفتحه،قطبت جبينها عندما رأت ذاك الشخص التي رأته بالامس واقفًا أمامها بكامل أناقته مبتسمًا يطالعها باشتياقٍ جارف ظهر بَين بمقلتيه مما جعلها تتعجب لأمره وما زاد من حيرتها هو أكياس الهدايا التي يحملها بيداه لتستفيق على صوته حين قال:
-إزيك يا إيثار
ضيقت بين عينيها بينما هو غارقًا بالنظر لعينيها الساحرة تارة لينتقل لشفتيها المكتنزة بلونها الوردي تارة أخرى ليمرر عينيه بمنحنيات جسدها التي أظهرها ذلك الثوب المنزلي بلونهِ الوردي الهاديء والذي أضفى على لون بشرتها جمالاً مضاعفًا ليخفق قلب ذاك الواقف بقوة،وقف مشدوهًا فاغر الفاه لجمالها الأخاذ، تلك المشاعر الجديدة عليه فبرغم تعدد علاقاته مع الفتيات وبرغم أيضاً إنجذابه لجسدها الانثوي ومظهرها الرائع الذي لا يقاوم إلا أنه منذ أن رأها بالأمس اقتحم شعورًا جديدًا على قلبه ليُقسم بداخله أن الذي يحدث له بحضرة تلك المثيرة لم يطرأ عليه طيلة مشواره النسائي،تنهدت بحيرة ليخرج صوتها مضطربًا نتيجة نظراته الجريئة وهي تقول:
-الحمدلله
هو أنتِ مش فكراني؟أنا عمرو اللي قابلتك إنتِ وخالتي منيرة إمبارح في حنة بنت عمي...نطقها بعينين متلهفتين وهو يذكرها بحاله لتقول بجدية بعدما رأت توتره:
-فاكراك طبعاً،أهلاً وسهلاً
أنا جاي أشوف وجدي...نطقها مفسرًا ليجيب سريعًا عندما وجدها تتطلع إليه باستغراب وأيضًا لإبعاد شُبهة الإتصال بها بالأمس،فلقد قرر أن يقوم بتغيير خطته بعدما شعر باستياءها من فعلته ليقول مفسرًا:
-أصل تليفونا الارضي الحرارة مقطوعة عنه ليه يومين، وحاولت أتصل بـ وجدي من المحمول علشان أقابله على القهوة بس إداني مغلق،
ليكمل مبررًا بابتسامة:
-ما أنتِ عارفة شبكة المحمول في بلدنا،في ذمة الله
أخيراً تبسم وجهها بمجاملة لمجارات حديثه الغير معني بالنسبة لها لينتعش قلبهُ وينتفض ثائرًا لبسمتها الرائعة ليقطع حديثهما صوت والدتها التي كانت تنزل على الدرج واستمعت لصوت ابنتها يأتي من الخارج لتقول باستفهام:
-بتتكلمي مع مين يا إيثار؟
همت بالحديث ليسبقها ذاك الذي سأم الوقوف متخشبًا بتلك الهدايا الثقيلة التي يحملها بين يداه فهو ليس معتادًا على هذه الأشياء فيوجد سربًا من الرجال الذين يعملون لدى والده ويقومون بتلك الاشياء عنه لكنه أراد أن يفعلها بحاله كي لا ينكشف أمره لدى والدته التي لا يفلت من تحت يدها شيئا، هتف بصوتٍ مرتفع وهو يتطلع للداخل باحثًا عن صاحبة ذاك الصوت لتنقذه:
-ده أنا يا خالتي
قطبت جبينها لتتحرك صوب الباب لاستكشاف صاحب الصوت لتتسع عينيها بذهول حين رأته واقفًا أمامها يحمل كل تلك الأكياس،هتفت بعدم تصديق:
-عمرو، تعالى يا ابني إيه اللي موقفك برة كدة؟
اشتدت سعادته لترتسم إبتسامة واسعة فوق ثغره أظهرت صفي أسنانه من احتفاء تلك السيدة به مما يجعله يشعر بقيمة حاله العالية، لتهتف هي ملقية باللوم على إبنتها ولكن بطريقة حنون كي لا تسيء لصورتها بعيناه:
-كدة يا إيثار موقفة عمرو على الباب زي الغُرب،الراجل يقول علينا إيه يا بنتي؟
تلبكت ولم تجد جوابًا لينقذها بحديثه المدافع عنها:
-متظلميهاش يا خالتي،أنا لسة جاي حالاً وكنت بسألها عن وجدي
ابتعدت عن الباب لتفسح له الطريق وأشارت بيدها وهي تدعوه للولوج:
-اتفضل يا عمرو
ساعدته بحمل الأكياس بعدما طلب هو منها لثقل وزنها لتقول وهي تطالعهم بنهم:
-إيه يا ابني اللي إنتَ جايبه معاك ده، هو أنتَ غريب
-دي شوية حاجات بسيطة ومش مستاهلة كلام يا خالتي...نطقها بهدوء ليسترسل مبررًا تصرفه:
-أنا قولت طالما ماحضرتش فرح وجدي يبقى مايصحش أدخل البيت من غير هدية في إيدي
إبن أصول وطول عمرك وإنتَ بتفهم في الواجب يا عمرو...نطقتها لتحمل عنه جميع الأغراض وتقول قبل أن تتجه بهم إلى المطبخ:
-دخلي عمرو أوضة الجلوس يا إيثار لحد ما أبعت أيهم ينده لـ وجدي من الأرض
باتت تفتش بداخل الأكياس لتستكشف ما بداخلهم لتجحظ عينيها وهي ترى عُلبتان مليئتان بأصنافٍ عدة من الحلوى الشرقية من أفخم متجر حلوى في المدينة،اتسعت عينيها بتشهي وهي تنظر لكعكة الشيكولاتة التي جلبها من نفس المكان،فكم من المرات التي رأت مثلها عبر شاشة التلفاز لكنها المرة الأولى التي ستتذوق منها،باتت تفتش بسعادة وهي تُخرج أصنافًا عديدة من الفاكهة الطازجة الأغلى سعرًا بالاسواق، وعددًا من قنائن العصائر المتنوعة ويبدو على مظهرها الفخامة، كانت كلما فتحت كيسًا تفتح عينيها بنهمٍ وكأنها وجدت كنزًا،ورث عزيز عنها الطمع ودنائة النفس، عكس إيثار وأيهم اللذان ورثا القناعة والنفس العفيفة من والدهما بينما ظل وجدي يتراقص بالمنتصف،فهو لم يتدنى لمنزلة والدته وعزيز ولم يرتقي لمكانة أبيه وشقيقاها
أما بالخارج بعدما أوصلته سألته بلباقة:
-تحب تشرب إيه يا أستاذ عمرو، شاي ولا قهوة
بابتسامة جذابة اجابها:
-متتعبيش نفسك،انا هستنى وجدي واشرب معاه شاي
بعد إذنك...نطقتها مستديرة لتتسع عينيها بعدما وجدته يقفز من جلوسه ليقطع طريق خروجها بلمح البصر وهو يقول متلهفًا:
-هو أنتِ على طول كدة مستعجلة وكلامك قليل
تعجبت لأمره وهزت كتفيها بلامبالاة لتقول:
-إحنا مفيش بينا مساحة أصلاً علشان يكون الكلام قليل أو كتير!
طب ما تيجي نخلق المساحة...قالها بدعوة صريحة منه مع لمعة إنبهار ظهرت بعينيه جعلتها تشعر بالتوتر لتبتلع ريقها من قربه ورائحة عطره التي برغم أنها قوية وعبأت المكان إلا أنها تغلغلت بأنفها لقربه الشديد لتجعلها تشعر بالريبة والتلبك ويرجع هذا لعدم خبرتها وعدم خوضها لأية تجارب تربطها بالجـ.ـنس الأخر من قبل،فهي تملك شخصية قوية جعلتها تصد جميع محاولات الشباب في التقرب إليها، خرج صوتها متعجبًا لتتسائل:
-قصدك إيه؟
هم بالرد ليتوقف بعدما استمع لصوت منيرة المرحب به:
-إنتَ لسة واقف يا عمرو، ماتقعد على الكنبة وارتاح يا ابني
قالتها بوجهٍ شديد الإحمرار من شدة سعادته لتسترسل بإبانة:
-أنا بعت أيهم ينده لك وجدي
أشارت ليجلس وجاورته هي الجلوس لتشدد على ابنتها الذهاب للمطبخ لجلب واجب الضيافة،ولجت إلى المطبخ لتجد والدتها قد فرغت الأكياس ورصتها فوق مطبخها الخشبي المتهالك لتقطب جبينها وهي تقول بصوتٍ هامس:
-الواد ده مجنون رسمي،إيه الحاجات اللي جايبها دي كلها، ولا كلامه ونظراته الغريبة
تنفست لتهز رأسها بلامبالاة وتُقدم على المبرد لتفتحه وتُخرج منه دورق مليء بمشروب الجوافة الطازج كانت قد أعدته قبل قليل لاستقبال والدها واشقائها عند عودتهم للمنزل في الغروب،وكان والدها قد جلب لها ثمرات الجوافة بالأمس إحتفائًا بمجيء صغيرته،سكبت كأسان من المشروب وحملتهما فوق حامل واتجهت صوب الحجرة وما أن رأها ذاك المهووس حتى عادت دقات قلبهُ لتسرع بدقاتها من جديد،شملها بنظراته المنبهرة تحت أعين منيرة التي تراقبه في الخفاء لتتنهد براحة بعدما تأكدت بفطانتها إعجاب بل إنبهار ذاك الثري بنجلتها،تبسم ثغرها وتعجبت لأمر القدر ولحكمة ربها،فكم حلمت وتمنت وانتظرت تغيير قدرها للأفضل على يد رجالها الثلاث،وكم من المرات التي بغضت بها تلك الإيثار وتمنت لو لم تُخلق من الأساس،فطالما كرهت الإناث ونظرت لهُن نظرة دونية حسبما تربت،وطالما ترددت كلمات زوجة والدها المقيتة حينما كانت تنعتها بأبشع الأوصاف والشتائم وتخبرها بأن الفتيات نذير شؤمٍ في المنازل وأنهُن خُلقن فقط لخدمة أشقائهن من الرجال ومن بعدهم خدمة أزواجهن والقيام على راحتهم بكل الطرق،وأنهن جئن إلى الحياة ليصبحن حِملاً ثقيلاً على عواتق الرجال،فلطالما عاملتها على أنها عارٌ ولابد التخلص منه،والأن يبدوا أن قواعد حِسبتها ستتغير وسيتبدل حالها وحال أولادها على يد تلك الإيثار، تذكرت حين أصيبت بإكتأبٍ حاد عندما أخبرتها الطبيبة بأنها ستُرزق بفتاة حتى أنها فكرت جديًا بالتخلص من الحمل لولا غانم الذي نهرها كثيرًا وقام بتهديدها إذا تخلصت من حملها سيقوم بتطليقها في الحال،وأبلغها أن الفتيات يُجلبن الرزق لعائلاتهن ويصبحن منبع للحنان،لكنها ما كانت تكترث لحديثه ولا تأخذه بعين الإعتبار
اقبلت عليه لتقديم المشروب ليباغتها بتصرفه النبيل حين هب واقفًا بزيف وتحرك مقتربًا عليها ليحمل عنها عناء مشقة حمل الصينية كي يجذب إهتمامها مما جعلها تضيق بين عينيها باستغراب ليتحدث هو بصوتٍ حنون:
-تعبتي نفسك ليه بس
مفيش تعب ولاحاجة،بعد إذنك...قالتها واستدارت لتتوقف حينما استمعت لصوت والدتها التي نادتها بعدما رأت عبوس ذاك الثري لتقول:
-تعالي إقعدي يا إيثار، هو عمرو غريب
تنفس بعميق بعدما شعر بقبضة بقلبه عندما رأها تخرج لكن تلك المنيرة أعادت له الأمل بطلبها بينما تطلعت إيثار إلى والدتها تتعجب أمرها وتغييرها الشامل مع ذاك الـ عمرو، تذكرت معاملتها شديدة القساوة معها حينما كانت صغيرة وحتى وصولها للمرحلة الثانوية،فكم من المرات التي نهرتها بها بل ووصل الأمر بتعنيفها وصفعها لمجرد ذكرها لاسم صديقًا دراسيًا وهي تشيد بتفوقه حتى خلقت لديها عقدة تجاة الجنس الأخر مما جعلها تضع بينها وبين جميع الرجال حاجزًا حديديًا مازال موجودًا إلى الأن،نظرت بعينيها لتقول بجدية:
-عندي مذاكرة يا ماما، بعد إذنك يا أستاذ عمرو
شعر بالإحباط عندما رأها تسرع بخطاها لخارج الحجرة كي لا تعطي لوالدتها المجال للاعتراض بينما اشتعل داخل منيرة من تلك العنيدة وأفعالها الهوجاء،نظرت لذاك الذي بدا على وجهه الإحباط لتقول بابتسامة مصطنعة:
-اشرب العصير يا عمرو
لتسترسل بإبانة تصرف نجلتها الأهوج:
-متزعلش من إيثار، أصلها بتتكسف قوي وعمرها ماكلمت حد غريب
-أنا مش زعلان منها يا خالتي، بس استغربت إنها بتعاملني على إني غريب عنها ونسيت إني متربي هنا وسطيكم
ابتسمت لتجيبه بلوم لطيف على عكس طبيعتها:
-ما هو الحق عليك بردوا يا عمرو،أصلك قطعت بينا مرة واحدة،روحت وقولت عدوا لي،ده حتى فرح وجدي محضرتوش
هتف سريعًا مبررًا:
-والله كان غصب عني،يومها كنت مسافر الاقصر في شغل مع ابويا ومكنش ينفع اسيبه لوحده
ولج وجدي من الباب ليهتف مرحبًا بصديق الطفولة قائلاً وهو يقترب عليه:
-ده أنتَ هنا بجد، أنا افتكرت الواد أيهم مهيس وبيقول أي كلام
وقف ليقابل صديقه قائلاً بمزاح:
-جيت على بالي قولت يا واد طالما صاحبك مطلعش جدع معاك ونسيك روح أسأل إنتَ عليه
أقبل عليه ليتعانقا باشتياقٍ حقيقي وحنينًا للأيام التي عاشاها شويًا، تركتهما وتحركت صوب غرفة ابنتها لتدفع الباب مقتحمة خصوصيتها لتفتح الأخرى فاهها مشدوهةً لتقول منيرة بغضب عارم:
-إنتِ قاعدة عندك بتعملي إيه؟
رفعت كتابها لأعلى لتقول بنبرة ساخرة:
-زي ما إنتِ شايفة يا ماما، بذاكر
اقبلت عليها لتهجم على كتابها وتنتزعه من يدها وتُلقي به أرضًا لتهمس بفحيحٍ من بين أسنانها وهي تدهسهُ تحت قدميها:
-أدي اللي إنتِ فالحة فيه
اتسعت عينيها بذهول وهي تنظر لكتابها لتسترسل الاخرى بحدة:
-قومي انجري على المطبخ إعملي شاي لـ عمرو ودخليهوله
أمسكت رسغها بقوة تحت ارتياب تلك المذهولة لتستطرد متذكرة:
-وبعدين تعالي لي هنا،إنتِ إزاي يا بت تكسري كلمتي وتطلعي لما قولت لك إقعدي معانا
هتفت بكامل صوتها لتقول باعتراض:
-ومن امتى وأنا بقعد مع رجالة غريبة،ده ولاد أعمامي لما بييجوا مابتسمحليش أدخل لهم الشاي،يطلع مين عمر ولا عمرو ده كمان علشان أقعد معاه؟!
احتدت نظراتها لترمقها باشمئزاز هاتفة باحتقار:
-هتفضلي غبية والفقر بيجري وراكي زي أهلك بالظبط
شعورًا مُميتًا اقتحم صدرها ليصعب التنفس وكأن أحدهم طعنها بنصل سكينٍ حاد بمنتصف قلبها،ناظرتها بألم لتبتلع غصتها من الإهانة التي تعرضت إليها على يد والدتها التي من المفترض أن تكون لها منبع الحنان، من تدفعها للأمام وتزرع بداخلها عزة النفس واحترامها،إغرورقت عينيها بدموع الألم والحسرة لتزفر تلك القاسية وهي تصيح هادرة بغضب:
-عيطي ياختي عيطي،أدي اللي إنتِ فالحة فيه، تحرقي دمي بعمايلك وبعدين تنزلي لك دمعتين علشان تصعبي على اللي قدامك، ربنا ياخدك وارتاح منك
رمقتها بازدراء لتخرج صافقة باب الغرفة خلفها بعدما أصيبت بالإحباط وعلمت أن لا أمل بخروج تلك البائسة من غرفتها اليوم،أما تلك المسكينة التي وما أن خرجت والدتها حتى تركت لدموعها الأبية العنان لتنهمر بغزارة فوق وجنتيها كشلالٍ
*******
صباح يوم السبت
تركت منزل أبيها لتتجه لأول الطريق كي تستقل سيارة أجرة تقلها للقاهرة،تنهدت حين تذكرت تلك القاسية التي تجاهلتها عند مغادرتها المنزل بالرغم من انها اقتربت عليها لتودعها قبل أن تعود لسكنها الجامعي إلا أنها أبت وحولت وجهها للإتجاه الأخر كنوعًا من العقاب على ما حدث بالأمس،تنهدت بألم تحت سعادة نسرين التي بلغت عنان السماء لتبتسم وهي ترمق شقيقة زوجها بنظراتٍ شامتة،وصلت إلى بداية الطريق لتقطب جبينها وهي ترى هذا الشخص يتطلع إليها متلهفًا وكأنه كان بانتظارها،انتابها شعورًا بالريبة تجاهه وبدأت تتيقن بأنهُ يحاوطها ويقتحم خصوصيتها أينما كانت،تجاهلت نظراته المتفحصة لها والتي بدأت تثير حنقها لتقف تنتظر قدوم إحدى السيارات بجانب عدة فتيات أخريات خرجن من القرية لطلب العِلم،بعد مرور بعض الوقت وقفت تتملل وهي تنظر بساعة يدها خشيةً من تأخرها على محاضرتها الأولى لتصل سيارة وتقف بنفس التوقيت،هرول الجميع باتجاهها لتصاب بالإحباط سرعان ما اختفى ليحل محله الأمل بداخلها عندما وجدته يقف بجسده ليسد باب السيارة وهو يُشير لها بأن تقترب،وقفت لبرهة تناظره بارتياب لما يفعلهُ من تصرفات تدعوا للريبة لكنها سرعان ما نفضت تلك الأفكار حين تذكرت ذاك الأستاذ الجامعي الذي تجاوز أعوامه الخمسون وتذكرت ملامح وجهه ونظرات عينيه التي تتحول لجحيمية عند دخول أحدهم قاعة المحاضرات بعده،اقتربت رغمًا عنها لتنظر بالسيارة لتجد محلاً لفردين فقط،استقلت مقعدًا بجانب النافذة ليجاورها هو تحت خجلها لتنطلق السيارة بعدها،امسكت بحقيبة يدها لتضعها حاجزًا بينهما تجنبٕا للتلامس مما أصاب حنقه لكنه تجاوز فعلتها وتطلع إليها ليقول مرحبًا بابتسامة ساحرة عله يختطف بها قلبها وينال منها كما فعل مع غيرها:
-صباح الخير
صباح النور...نطقتها باقتضاب دون تكليف حالها عناء الالتفات إليه مما أثار حفيظته لكنه استدعى هدوئه ليسألها بابتسامة هادئة:
-رايحة كليتك؟
اكتفت بإيمائة من رأسها دون رد ليسترسل بإبانة لفتح مواضيع بينهما كي يحثها على التمادي معه والوقوع في براثنه:
-تعرفي إن حظي حلو قوي،أصل سيبت عربيتي في البيت وقررت أروح مشواري مواصلات، وده من حسن حظي إني شفتك
باغتته بعدم مبالاتها وكأنه يحدث غيرها برسالة موجهة منها إليه بأن يلتزم الحدود بالتعامل معها مما جعله يتنهد باستسلام بعدما تيقن ان الوصول لقلبها شاق ويحتاج للمزيد من بذل الجهد لكنه لم ولن يستسلم فقد شغفته بجمالها واختلافها عن الاخريات، وما أثار إعجابهُ به أكثر هو عدم إهتمامها والهرولة إليه للاستفادة من أموال والده كغيرها من الفتيات التي تعرف عليهن طيلة حياته،اخرجت كتابًا وبدأت تستذكر دروسها كي تغلق عليه جميع محاولاته للتقرب منها أو فتح مواضيع للحديث، أخرجت ورقة مالية لدفع حصتها لكنه رفض وحاول مرارًا أن يدفع بدلاً عنها وبالاخير رضخ تحت إصرارها العجيب على ألا يدفع عنها مما جعله ينظر لها باختلاف كلي، وصلا لموقف السيارات وترجل ينتظر نزولها بابتسامة سُرعان ما اختفت بعدما رأها تتحرك أمامها دون النظر إليه
استشاط داخله وهو يراها تستقل سيارة أجرة أخرى لتقلها لجامعة القاهرة لتمر من جانبه،زفر بضيق على فشل خطته للتقرب منها وتأكد أن الوصول إليها يكاد مستحيل،لكنه لن يبرح حتى يبلغ ويحصل على مبتغاه ،توالت الأيام وهو ينتظرها كل عطلة ليستقل بجوارها السيارة في محاولاته المتكررة لإيقاعها التي لن يمل منها حتى انقلب السحر على الساحر وبدلاً من أن يوقعها وقع هو بشباك غرامها بل أصبح متيمًا بعشقها المميز ذو النكهة الجديدة عليه، بات يسهر الليالي يستمع للأغاني التي تتحدث عن العشق وهو يراها بكل الزوايا،لقد وصل به الأمر حد الهووس وبات لا يرى الدنيا سوى بالساحرة عيناها، حتى أنهُ ابتعد عن كل الفتيات اللواتي كانت تربطه بهن علاقات في إطار غير شرعي
*******
في تمام الساعة السادسة والنصف صباحًا
كان يغفو فوق فراشه بجسدٍ منهك يرجع سببه لعدم اتخاذه القسط الكافي من النوم،فمنذ أن عشقها صار النوم ضيفًا عزيزًا،انتفض من نومته ليهب جالسًا بعدما استمع لصوت المنبه المنبعث من الهاتف، وبلحظة كان يقف أمام خزانة ملابسة ليتخذ ملابس داخلية وتحرك صوب الحمام الخارجي ليغتسل بماءٍ بارد عله يستفيق،وبعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة كان يتحرك في عجلة من أمره بعدما ارتدى أفضل ثيابه ليلتحق بموعده الاسبوعي مع تلك الجميلة الذي أصبح مقدسًا بالنسبة له،قطع طريقه والدته التي خرجت من غرفتها لتقطب جبينها وهي تتطلع في حيرة من أمره الذي تغير مؤخرًا واصبح غريبًا عليه،تنهدت لتسألهُ بفضول:
-رايح فين على الصبح كدة؟
عندي مشوار مهم يا ماما... قالها في عجالة لتصيح مستفسرة:
-أنا نفسي اعرف إنتَ بتقوم من النجمة بتروح فين كل يوم سبت، واشمعنا السبت بالذات
لتستطرد متعجبة:
-وكله كوم وعربيتك اللي بتسيبها قدام البوابة دي كوم تاني، مع إنك مبتخطيش خطوة برة البيت من غيرها؟!
امتعضت ملامحه ليهتف باستياء:
-سبيني يا ماما أنا متأخر على ميعادي، لما أرجع إبقي استجوبي فيا براحتك
لم يدع لها فرصة للاعتراض فقد تفوه بكلماته وهرول للخارج يسابق الريح ليستشيط داخلها من تصرفات ذاك الأرعن، كان يهرول بمشيته كي يسبق خروجها ككل مرة، زفر باستياءٍ حين تذكر ليلة أول أمس وكم من المرات التي حاول بها الإتصال ليجيب عليه شقيقها الكبير وينثره بوابلٍ من الشتائم،ليقرر الذهاب عصر اليوم الذي تلاه ليرى عينيها ويتمتعُ بالغوص داخل بحرهما ولسوء حظه وجد أيهم بالمنزل ليخبره بأن وجدي بصحبة والده بالارض وحينما سأله عن والدته أخبره أنها ذهبت لمنزل والدها لتقوم بزيارة جدته المسنة مما جعل الإحباط يتملك منه ليناوله علبة الحلوى التي جلبها وينسحب يجر أذيال خيبته بصمت،وصل أخيرًا لمطلع الكوبري وكاد أن يُكمل بطريقه إلى أن رأها تخرج من الشارع العمومي المؤدي لمنزلها، تسمر بأرضه وبات قلبه يدق بقوة،مشاعر جديدة من نوعها تخترق جدران كيانه لتخبره بأنه لم يتذوق للعشق طعمًا وكل علاقاته كانت هراءًا، التمعت عينيه بوميض اللهفة والعشق وهو يتطلع لهيأتها بولهٍ ولكن ليست كالماضي،فالان قد اختلفت نظرته كليًا، بالماضي كان منبهرًا بمظهرها وجسدها الانثوي أما الأن فيكفيه نظره من عينيها لتجلب السعادة لقلبهِ المتيم،وقف ينتظرها لتزفر هي حين لمحت وقوفهُ ببداية الطريق لتتحرك بوجهتها تتخطى وقوفه دون أن تنظر له مما جعله يبتسم ليقول بعدما تحرك بجانبها:
-إزيك يا إيثار
الله يسلمك...قالتها باقتضاب وهي تسرع بخطاها لتبتعد عنه حتى وصلا لوجهتهما لتتوقف سيارة عابرة ولم يكن بها مقاعد خالية سوى المقعدان المجاوران للسائق،أمسك باب السيارة كي لا يدع الفرصة لتقرب أحدًا وأشار لها لتتنهد وتتحرك صوبه مجبرة كي لا تتأخر على موعد محاضرتها،استقل مقعده المجاور للسائق وأفسح لها لتجاوره الجلوس وتحرك السائق منطلقًا بطريقه،تحمحم ليقول بصوته المبحوح:
-أنا جيت لكم البيت إمبارح بس أيهم قال لي إن خالتي منيرة بتزور والدتها
تطلعت إليه ليسألها بفضولٍ أثار حفيظتها:
-هو أنتِ كنتي معاها في بيت جدك؟
قطبت جبينها متعجبة حديث ذاك المتطفل الذي زاد من حشر أنفه بحياتهم على حين غرة لتسألهُ بعينين حادتين كالصقر:
-معلش يعني وإنتَ بتسأل ليه،ويهمك في إيه تعرف إذا كنت موجودة ولا لاء؟!
أغمض عينيه فى ألم ثم فتحهما من جديد ليبتلع غصته المرة من معاملتها القاسية له، أخذ نفسًا عميقًا ليستعيد به توازنه ثم أجابها بابتسامة أراد بها تلطيف الأجواء:
-كنت عاوز أشوفك يا إيثار
نطقها هائمًا لتتسع بؤبؤ عينيها متعجبة جرأته بينما طالعها بنظراتٍ تنطق عشقًا قابلتها باستفهام لتقول بكثيرًا من التعجب:
-هو أنتَ بتعمل كل ده ليه؟!
ليزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول بتشكيك:
-فجأة كدة افتكرت إن ليك صاحب إسمه وجدي ماشفتهوش من تلات سنين وقررت تزوره،لا وكل اسبوع تزورنا ومعاك هدايا أشكال وألوان،عاوز توصل لإيه بالظبط؟!
-للقمر... نطقها هائمًا لتقطب جبينها تناظره بتيهة ليكمل بنبرة خرجت منه هائمة رُغماً عنه:
-عاوز أوصل لك يا إيثار
ناظرته بإستفهام لتقول:
-تقصد إيه بكلامك ده؟
ليجيبها بوضوح:
-أنا عاوز أتجوزك
اتسعت عينيها بذهول لتنطق بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان:
-تتجوزني؟!، بس أحنا منعرفش بعض كفاية علشان تطلب مني نتجوز!
أخذ ينظر لوجهها بتمعن وابتسامة أمل أشرقت على ثغره لتنير وجهه ليجيبها متلهفًا:
-بس أنا بحبك وده كفاية إنك تضمني إني هريحك وهشيلك جوة عينيا
واسترسل عندما لمح التيهة تجوب بمقلتيها:
-أنا بقيت مجنون بحبك يا إيثار
واستطرد متعهدًا بعينين متأملتين:
-وافقي وأنا أوعدك إني هخليكِ أسعد إنسانة في الدنيا كلها، مش هخلي نفسك في أي حاجة،قبل ما تحلمي بالحاجة هتكون تحت رجليكي،أنا نفسي هكون بين اديكي
نظرت إليه بتيهة،تستشعر الصدق بكلماته ليسألها متلهفًا إجابتها:
-قولتي إيه؟
قطع شرودها لتجيبه باقتضاب:
-هو الكلام ده ينفع يترد عليه هنا بردوا؟
اشتدت سعادته فرحًا لكلماتها التى رفعت قلبه إلى عنان السماء ليشعر بروحه هائمة بسماءها وقد جددت كلماتها الأمل بداخله ليقول بنبرة حماسية:
-خلاص، أنا هفاتح أبويا النهاردة وأخليه يطلب لي إيدك من عمي غانم
هتفت متعجلة لتقول بتردد ظهر بعينيها:
-اديني وقت أفكر في الموضوع قبل ما تاخد أي خطوة جدية.
اجابها بقلبٍ عاشق:
-أنا تحت أمرك في أي حاجة هتريحك، خدي وقتك وأنا متأكد إني لما أشوفك الإسبوع الجاي هسمع أخبار حلوة
سحبت عنه نظرها بخجل بعد أن قررت بسريرتها أن تعطي حالها فرصة للتفكير بأمره، فهو بالنهاية يبدوا شابًا مناسبًا إلى حدٍ ما لذا ستفكر في الأمر بجدية.
********
بعد مرور ثلاثة أيام عادت إيثار إلى منزل أبيها فقد أخذت إجازة إلى أخر الإسبوع بمناسبة أعياد خاصة بالدولة،كانت تجلس بداخل حجرتها بصحبة صديقتها "سمية" التي جحظت عينيها لتهتف بقلبٍ يمتلؤ بالغيرة التي لم تستطع التحكم بها لتظهر بمقلتيها:
-نعم،بقى عاوزة تفهميني إن عمرو إبن الحاج نصر على سِن ورمح عاوز يتجوزك إنتِ يا بنت عم غانم؟!
نطقت جملتها الاخيرة مشيرة بأصبع السبابة إليها بنظرات إزدرائية مقللة من شأنها مما جعل الأخرى تنظر إليها بتيهة من نظراتها الغريبة التي شملتها بها لتسترسل سمية بضحكة استهزائية:
-يا شيخة قولي كلام يتصدق
تطلعت إليها بصدمة لتجيبها باستياء وصوتٍ خرج حادًا بعض الشيء:
-وأنا من امتى كذبت عليكِ يا ست سمية،وبعدين هي المواضيع دي ينفع فيها الكذب؟!
تراجعت سريعًا بعدما لاحظت إنزعاج إيثار لتقول في محاولة لإصلاح ما أفسدته:
-انا مقولتش إنك بتكذبي،أنا بس مستغربة
سحبت عنها بصرها ولم تجيبها لشدة غضبها لتسترسل الاخرى كلماتٍ مبررة:
-هكلمك بصراحة ومتزعليش،شوفي أنا ظروف عيلتي أحسن من ظروفكم إزاي،ده غير إن ابويا موظف بالشهر العقاري وحياتنا إلى حدٍ ما مرتاحة عنكم
مالت برأسها لتقول بصدقٍ:
-منكرش إن طول عمري وانا حاطة عيني على أي حد من عيال كُبرات البلد وبالذات عيلة البنهاوي
واسترسلت بعيناي حالمة بجشع:
-وحلم عمري أدخل وسطيهم وعيالي يبقوا منهم علشان مايعشوش الفقر اللي أنا عيشته
لتستطرد نافية وهي تشير بسبابتها:
-ومع ذلك عمري ما جرأت ولا خطر حتى على بالي إني أحلم بحد من عيال الحاج نصر البنهاوي
واكملت بحقدٍ دفين ظهر بَيِن بكلماتها التي تقطر سُمًا:
-تقوم إنتِ يتقدم لك إبن كبير البنهاوية كده مرة واحدة!
تنهدت إيثار بضيق لما رأته من حقدٍ وتقليل غير مبرر بشأن عائلتها والتي لا تختلف كثيرًا عن عائلة الأخرى سوى أن والدها حصل على شهادة متوسطة وعُين بمصلحة الشهر العقاري ليباغتها سؤال تلك التي مازال الذهول يسيطر عليها:
-أمك عرفت؟
رفعت عينيها لتقول سريعًا:
-لا طبعاً،ماما لو عرفت هتقول لبابا وإخواتي، ولو عزيز بالذات عرف مستحيل يديني فرصة أفكر
-طبعاً، هو كان يحلم ولا يطول...نطقتها ببُغضٍ لتنهرها الاخرى بنبرة غاضبة:
-هو فيه يا سُمية، عمالة ترمي دبش من بقك من ساعة ما حكيت لك الموضوع ولا عاملة أي حساب لمشاعري
لتستطرد بكبرياء نابع من داخلها ورثته عن والدها:
-أنا مش قليلة ولا أهلي قليلين زي ما أنتِ حابة توصلي لي، أنا ابويا أه راجل فلاح وبسيط بس عنده عزة نفس مش عند وزرا ورؤساء جمهورية، وكفاية إنه علمني أنا واخواتي وخلانا أخدنا شهادات ولاد أكبر ناس في البلد معرفوش ياخدوها
ابتلعت لعابها لتتحدث بنعومة كالحياء:
-إنتِ زعلتي كده ليه، أنا بفضفض معاكي
واستطردت لتدخل الريبة بقلبها:
-بصي بقى، أنا شايفة إنك تكتمي على الموضوع وترفضيه من غير ما تقولي لحد
ضيقت بين عينيها لتستطرد الاخرى بإصرار:
-الواد ده شكله بيلعب بيكي،واضحة زي عين الشمس، هو معرفش يوصل لك ولا يقرب لك زي ما حكيتي لي الوقت، فقال يدخل لك من ناحية الجواز علشان تفكي معاه ويطول منك اللي معرفش ياخده في الأول وبعد كده يرميكي
هزت رأسها لتقول بنفي:
-لا مظنش، عمرو بيحبني بجد
لتسترسل بابتسامة حين تذكرت هيأته:
-الحب كان باين في عنيه يا سمية
هتفت الاخرى باستنكار لتبعد عنها تلك الفكرة:
-طول عمرك عبيطة ومبتفهميش في الناس
ضيقت عينيها بتفكر لتهتف بعدما طرأت على مخيلتها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتت فكرة هتخليني أكشف لك إذا كان بيلعب بيكي ولا لاء
قطبت الاخرى جبينها لتطالعها مستفهمة لتسترسل الاخرى بدهاء:
-أنا هاجي معاكي الجامعة يوم السبت واركب العربية معاكم، وانا بطريقتي هوقعهولك في الكلام علشان أكشفه، وساعتها هنعرف إذا كان بيحبك بجد ولا بيلعب عليكِ
نظرت لها بحيرة لتهتف الاخرة بغضب ظهر بعينيها:
-بس إنتِ طلعتي خبيثة قوي يا بت يا إيثار، الواد بقاله شهر ونص بيجري وراكِ ومقضينها حكاوي معاه في المواصلات ولا جبتي لي سيرة
زفرت إيثار لترد على تلك التي تحولت وظهر ما بداخلها من حقد دفعةً واحدة وكأنها تستكشف شخصيتها لأول مرة:
-هقول لك إيه والموضوع كله مكنش في بالي
لتستطرد بحيرة ظهرت بعينيها:
-أنا لحد الوقت لسة بفكر أوافق وأخليه يكلم أبوه، ولا أخدها من قصيرها وأرفضه واريح دماغي
هتفت على عجالة بتخوف:
-استني لما أقابله يوم السبت وساعتها أنا اللي هقول لك تعملي إيه
صمتت لتشتعل عيناي الأخرى بالحقد وهى تتطلع على تلك الإيثار وباتت تتساءل ما الذي اعجبه بها ليختارها هي دون غيرها، تلك البلهاء التي لم تهتم يومًا بالزواج من شابًا ثريًا تأتيها الفرصة على طبقٍ من ذهب بل وتتمنع وتطلب منه منحها الوقت للتفكير،بينما هي التي قضت سنواتها في عناء البحث عن فرصة لاصطيادها عريسًا ثريًا ليحقق لها أحلامها ويمنحها حياة أفضل من حياتها البائسة لم تجدها إلى الآن
انتهى الجزء الأول من الفصل السادس من رواية انا لها شمس بقلم روز أمين